عقلية الاستعباد
عندما ينقسم المجتمع إلى أسياد و عبيد و يصبح الأسياد فوق القانون و فوق المحاسبة على أخطائهم كالفراعنة يرددون قولة فرعون : "ما أريكم الا ما أرى و ما أهديكم الا سبيل الرشاد" ، تحل بالمجتمع ، بالأسرة و بالمؤسسة بكل مرفق من الحياة عقلية الاستعباد و يعم الاستبداد و الفساد كل مجالات الحياة . تزول كل الأنظمة : نظام الدولة ، نظام المؤسسة ، نظام الأسرة و يحل الطلاق بين الحاكم و المحكوم بين الأزواج ، بين أفراد أي مؤسسة و يحل الدمار و الخراب بالحياة
كثير من مشاكلنا متأتية من هذه العقلية المقيتة التي تقتل الحياة في الدولة في المؤسسة في الأسرة. لمعرفة معالجة هذه العقلية لابد أن نبحث في كيفية تجنب نشأتها و نستعين بتجارب ماضينا كيف كان أسلافنا يقاومون هذه العقلية و جنبوا مجتمعاتهم كل انهيار و أعملوا أمثلة فذة جعلت من الأعراب الذين لا يعرفون من الحضارة الا رعي الابل و الانعام و ترديد الاشعارأمة ذات حضارة و مجتمعات متماسكة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى . كما يوحي لهم الاسلام الذي جاء لتحرير الناس من هذه العقلية ، و يتجلى ذلك في القولة الشهيرة التي أطلقها الصحابي الجليل ربعي ابن عامر رضي الله عنه أمام رستم قائد الفرس لمّا سأله ما الذي جاء بكم فقال له تلك القولة : "جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار" . هذا هو مقصد من مقاصد هذا الدين ، ليس هناك ناس فوق ناس ، الناس سواسية كأسنان المشط يخطؤون و يصيبون ، كحاكمهم يخطئ و يصيب و يطلب منهم إذا أخطأ أن يصوبوه : لما ولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وقف و قال لهم: "لقد وليت عليكم و لست بخيركم إذا أصبت فأعينوني و إذا أخطأت فقوموني " و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هو أمير المؤمنين يقول : "رحم الله إمرئا أهدى لي عيوبي"
لمقاومة هذه العقلية البغيضة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون" ، قال صلى الله عليه و سلم خطاء و لم يقل مخطئ و خطاء على وزن فعّال أي كثير الخطأ و توّاب غير تائب أي كثير الرجوع إلى الله إلى الحق أي كثير المعرفة بأخطائه في حق الله و في حق العباد.
و عندما يصف المتقين الذين هم في أعلى مراتب التدين يقول عنهم : "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ
يَعْلَمُونَ" آل عمران
ليس هناك حصانة مطلقة لأي مسلم من الأخطاء ، هذا ما كان يستشعره الصحابة رضوان الله عليهم و لذلك لما شعر عمر بن الخطاب أنه أخطأ و أن المرأة التي جادلها على صواب قال :" أصابت امرأة و أخطأ عمر " أمام الناس
من منا يستطيع أن يقول أمام زوجته أو أبنائه أنه أخطأ في هذه الأيام ، من من حكامنا و وزرائنا و مسؤولينا يستطيع أن يقول أنا أخطأت ، قد يحاول البحث عن مبررات أو يقول : "غلطوني"
البعض منا يظن أن الاعتراف بالخطأ قد يمس من هيبته و يجعله في موقف لا يحسد عليه و هنا نقول لا للاجهاز على المخطئ بل لا بد أن نساعده على تجاوز عثرته و نقول له الرجوع الى الحق فضيلة و نأخذ بيده و لا نكون عونا للشيطان عليه و نبحث له عن أعذار .
و أخيرا نقص عليكم هذه القصة :
مر أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال : أرأيتم لو وجدتموه في قليب (بئر) ألم تكونوا مستخرجيه ؟ قالوا : بلى ، قال فلا تسبوا أخاكم و احمدوا الله الذي عافاكم ، قالوا : أفلا تبغضه ، قال: إنما أبغض عمله فإذا اتركه فهو أخي.
هكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يعاملون المذنب و المخطئ و يرون أنه كما هو يخطئ فقد يأتي يوم يخطؤون فيه فالكل معرض للخطأ مهما كانت منزلته ، هذه العقلية التي كانوا عليها و هكذا كانوا يتعاملون مع مشاكلهم فالحقيقة لا يملكها أحد ، كل له نصيب فيها . قد يكون الحق مع الضعيف أو الصغير و الحكمة تقول : يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر
فيا أيها الاباء استمعوا الى نصائح زوجاتكم و أبنائكم فقد يكون الحق معهم و لا تتعسفوا عليهم و تواضعوا يرفعكم الله .
هكذا نستطيع أن نقاوم هذه العقلية ، عقلية الاستبداد و الاستعلاء على الآخرين و نجنب عائلاتنا أكثر المآسي و نقضي على آفة التفكك الأسري من طلاق و انحراف لفلذات أكبادنا
والله ولي التوفيق
بقلم عبد اللطيف بنسالم